فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس، أنه كان يقرأ {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء} ويقول: خذوا هذه الواو واجعلوها هاهنا {والذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء} قال: انزعوا هذه الواو واجعلوها في {الذين يحملون العرش ومن حوله} [غافر: 7].
وأخرج عبد بن حميد عن أبي صالح {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} قال: التوراة.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} قال: الفرقان، التوراة حلالها وحرامها مما فرق الله بين الحق والباطل.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان} قال: الفرقان، الحق آتاه الله موسى وهارون فرق بينهما وبين فرعون، فصل بينهم بالحق. وقرأ {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان} [الأنفال: 41] قال: يوم بدر.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، عن الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى: وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين، فمن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {وهذا ذكر مبارك أنزلناه} أي هذا القرآن.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران قال: خصلتان فيهما البركة: القرآن والمطر. وتلا {وأنزلنا من السماء ماء} {وهذا ذكر مبارك} والله أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)}.
قوله: {وَضِيَاءً وَذِكْرًا}: يجوزُ أن يكونَ من باب عطفِ الصفاتِ، فالمرادُ به شيءٌ واحدٌ أي: آتَيْناه الجامعَ بين هذه الأشياءَ. وقيل: الواوُ زائدةٌ. قال أبو البقاء: فـ: {ضياءً} حالٌ على هذا.
{الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} (49).
قوله: {الذين يَخْشَوْنَ}: في محلِّه ثلاثةُ الأوجهِ: وهي الجرُّ على النعتِ أو البدلُ أو البيانُ. والرفعُ والنصبُ على القطع. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48)}.
ما آتاه الحق سبحانه للأنبياء عليهم السلام من الضياء والنُّور، والحُجَّةِ والبرهان يشاركهم المستجيبون من أُمَمِهم في الاستبصار به..
فكذلك الأكابر من هذه الأمة يشاركون نبينا في الاستبصار بنور اليقين. والمُتَّقِي هو المُجَانِبُ لما يشغله ويحجبه عن الله، فيتقي أسبابَ الحجاب وموجِباتها.
{الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49)}.
صار لهم في استحقاق هذه البصائرِ والخشية بالغيب إطراقُ السريرة، وفي أوان الحضور استشعارُ الوَجَلِ من جريان سوء الأدب، الحذَرُ من أن يبدو من الغيبِ من خفايا التقدير ما يوجبُ حجبة العبد.
والإشفاق من الساعة على ضربين: خوف قيام الساعة الموعودة للعامة، وخوفُ قيام الساعة التي هي قيامة هؤلاء القوم؛ فإنَّ ما يستأهل الكافة في الحشر مُعَجَّلٌ لهم في الوقت من تقريبٍ ومن تبعيد، ومن مَحْو ومن إثبات.
{وَهذا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)}.
وَصَفَ القرآن بأنه {مبارك}، وهو إخبارٌ عن دَوَامه، من قولهم: بَرَكَ الطائرُ على الماء أي دَامَ.
وإنَّ هذا الكتاب لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلْفَهِ وما لا ابتداء له- هو كلامه القديم- فلا انتهاء للكتاب الدالِّ عليه. اهـ.

.قال ابن القيم:

ومن منازل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} منزلة الإشفاق:
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ}[21:49].
وقال تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}[25:52- 27] الإشفاق رقة الخوف وهو خوف برحمة من الخائف لمن يخاف عليه فنسبته إلى الخوف نسبة الرأفة إلى الرحمة فإنها ألطف الرحمة وأرقها ولهذا قال صاحب المنازل:
الإشفاق: دوام الحزن مقرونا بالترحم وهو على ثلاث درجات الأولى: إشفاق على النفس أن تجمح إلى العناد.
أي تسرع وتذهب إلى طريق الهوى والعصيان ومعاندة العبودية.
وإشفاق على العمل أن يصير إلى الضياع.
أي يخاف على عمله أن يكون من الأعمال التي قال الله تعالى فيها: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [25:23]وهي الأعمال التي كانت لغير الله وعلى غير أمره وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويخاف أيضا أن يضيع عمله في المستقبل إما بتركه وإما بمعاصى تفرقه وتحبطه فيذهب ضائعا ويكون حال صاحبه كالحال التي قال الله تعالى عن أصحابها {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [265:2]الآية قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للصحابة رضي الله عنهم: فيمن ترون هذه الآية نزلت؟ فقالوا: الله أعلم فغضب عمر وقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين قال: يا ابن أخي قل ولا تحقرن نفسك قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس لعمل قال عمر: لرجل غني يعمل بطاعة الله فبعث الله إليه الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق جميع أعماله.
قال: وإشفاق على الخليقة لمعرفة معاذيرها.
هذا قد يوهم نوع تناقض فإنه كيف يشفق مع معرفة العذر؟ وليس بمتناقض.
فإن الإشفاق كما تقدم خوف مقرون برحمة فيشفق عليهم من جهة مخالفة الأمر والنهي مع نوع رحمة بملاحظة جريان القدر عليهم.
قال الدرجة الثانية: إشفاق على الوقت: أن يشوبه تفرق.
أى يحذر على وقته: أن يخالطه ما يفرقه عن الحضور مع الله عز وجل.
قال: وعلى القلب: أن يزاحمه عارض.
والعارض المزاحم: إما فترة وإما شبهة وإما شهوة كل سبب يعوق السالك.
قال وعلى اليقين: أن يداخله سبب.
هو الطمأنينة إلى من بيده الأسباب كلها فمتى داخل يقينه ركون إلى سبب وتعلق به واطمأن إليه: قدح ذلك في يقينه وليس المراد: قطع الأسباب عن أن تكون أسبابا والإعراض عنها فإن هذا زندقة وكفر ومحال فإن الرسول سبب في حصول الهداية والإيمان والأعمال الصالحة سبب لحصول النجاة ودخول الجنة والكفر سبب لدخول النار والأسباب المشاهدة أسباب لمسبباتها ولَكِن الذي يريد أن يحذر منه: إضافة يقينه إلى سبب غير الله ولا يتعلق بالأسباب بل يفنى بالمسبب عنها.
والشيخ ممن يبالغ في إنكار الأسباب ولا يرى وراء الفناء في توحيد الربوبية غاية وكلامه في الدرجة الثالثة في معظم الأبواب: يرجع إلى هذين الأصلين وقد عرفت ما فيهما وأن الصواب خلافهما وهو إثبات الأسباب والقوى وأن الفناء في توحيد الربوبية ليس هو غاية الطريق بل فوقه ما هو أجل منه وأعلى وأشرف.
ومن هاتين القاعدتين عرض في كتابه من الأمور التي أنكرت عليه ما عرض قال: الدرجة الثالثة: إشفاق يصون سعيه عن العجب ويكف صاحبه عن مخاصمة الخلق ويحمل المريد على حفظ الجدِّ.
الأول: يتعلق بالعمل والثاني: بالخلق والثالث: بالإرادة وكل منها له ما يفسده.
فالعجب: يفسد العمل كما يفسده الرياء فيشفق على سعيه من هذا المفسد شفقة تصونه عنه.
والمخاصمة للخلق: مفسدة للخلق فيشفق على خلقه من هذا المفسد شفقة تصونه عنه.
والإرادة: يفسدها عدم الجد وهو الهزل واللعب فيشفق على إرادته مما يفسدها.
فإذا صح له عمله وخلقه وإرادته: استقام سلوكه وقلبه وحاله والله المستعان. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {أم اتخذوا آلهة} من ارض البشرية ثم هم يحيون القلوب الميتة بل الله يحييها بنور ذكره وطاعته لو كان في سماء الروحانية وأرض البشرية {آلهة إلا الله} كالعقل والهوى {لفسدتا} كما فسد سماء أرواح الفلاسفة حين اثبتت عقولهم للواجب صفات لا تليق به، وفسد أرض بشرية الطبائعية حين زلت قدمهم عن استعمال قوانين الشريعة بمقتضى هوى الطبيعة {لا يسأل عما يفعل} لأن أفعاله تعالى صادرة عن الحكمة والقدرة {وهم يسألون} لأن أفعالهم منشؤها الظلومية والجهولية {لا يسبقونه بالقول} لأنه ليس فيهم ما يخالف داعية العقل وهو الطبع الذي يجذب صاحبه إلى السفل، ولهذا وصفهم بالإكرام ووصف بني آدم بالتكريم في قوله: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء: 70] ففي التكريم تكثير ليس في الإكرام والسبب أن أمر بني آدم أشكل وحالهم أصعب {يعلم ما بين أيديهم} من خجالة قولهم {أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] {وما خلفهم} من الأمر بسجود آدم والاستغفار لمن في الأرض {أو لم ير الذين كفروا} يعني أنهم رأوها في عالم الأرواح لأنها خلقت قبل الأجساد بألفي عام، وفي رواية بأربعة ألاف سنة {كانتا رتقًا} أي كانت سموات الأرواح متعلقة بأرض القوالب {ففتقناهما} بالمفارقة وقطع التعلق {وجعلنا من} ماء حياة العلم {كل شيء حي} بالحياة الأبدية {وجعلنا في الأرض} أرض القالب {رواسي} هي هموم العلائق البدنية {أن تميد بهم} فلولاها لمالت كل نفس إلى عمالها وبطل الغرض من التكليف، ويمكن أن يكون الرواسي إشارة إلى الأبدال الذين هم أوتاد الأرض بهم يرزق ويمطر الناس {فجاجًا سبلًا} هي طرق الإرشاد والتسليك {وجعلنا} سماء القلب {سقفًا محفوظًا} من وساوس شياطين الإنس والجن {وهو الذي خلق} ليل البشرية ونهار الروحانية وشمس المعرفة وقمر الإسلام {كل في فلك يسبحون} فأهل الإسلام في فلك الشريعة، وأهل الإيمان في فلك الطريقة، وأهل الولاية في فلك اطوار الحقيقة {كل نفس ذائقة الموت} أما النفس الحيوانية فلأن من خواصها أن تصير الغذاء من جنسها فلا جرم إذا عجز الغذاء عن التشبيه بها لعجز القوة الغاذية حل أجلها، وأما النفس الناطقة فلأن من خواصها أنها تصير من جنس غذائها وهو الكمالات العلمية والعملية التي هي فيوض ربانية يتجوهر الروح بجوهرها فيحصل له الفناء عن وجوده والبقاء بشهود ربه {ونبلوكم} بالمكروهات التي تسمونها شرًّا بالمحبوبات التي تحسبونها خيرًا {فتنة} فربما كان الأمر عكس ما تصورتم {وإلينا ترجعون} اختيارًا وقهرًا {وإذا رآك الذين كفروا} فيه أن الأغيار لا ينظرون إلى الأخيار إلا بعين الإنكار {خلق الإنسان من عجل} بالنسبة إلى خلق السموات والأرض وما بينهما فإنها خلقت في ستة أيام وخمرت طينة آدم أربعين صباحًا مع أن فيها أنموذجًا من الكل واستعدادًا لقبول الخلافة وقابلية تجلي الذات والصفات ومظهرية الَكِنز الخفي وأشار إلى هذه المعاني بقوله: {سأريكم آياتي} اي في مظاهر الآفاق ومرايا أنفسكم بالتدريج وبالتربية في كل طور {فلا تستعجلون} فإن حد الاستكمال من المهد إلى اللحد بل من الأزل إلى الأبد وهذا منطق الطير لا يفهمه إلا سليمان الوقت.
ويمكن أيضًا أن يقال: إن الروح الإنساني أول شيء تعلقت به القدرة وهذا معنى العجلة {قل من يكلؤكم} فيه أن ملوك الأرض لو حرسوهم {بالليل والنهار} من الخصوم والأعداء فمن لهم حتى يحفظونهم في ليل البشرية ونهار الروحانية من سطوات قهر الجلال الذي الرحمانية من صفاته كما أن الرحيمية من صفات الجمال، فلو وكلهم بالخذلان إلى ظلمة البشرية بقوا في الجهل، ولو وكلهم بالإضلال في نور المعقولات تاهوا في أودية الحيرة والحجب النورية، والمنع من الحجب الظلمانية والجهل البسيط أسرع من إزالة الجهل المركب {بل متعنا هؤلاء} الجهال {وآباءهم} الذين علموهم تلك المعقولات التي صارت حجبًا نورية لهم حتى اغتروا بظاهر الحال وأنكروا المعاد والشريعة. ثم بين أن الحق يغلب على الباطل ألبتة فقال: {أو لم يروا أنا نأتي الأرض} البشرية {ونضع الموازين} ميزان الفضل قد نصب في الأزل {نحن قسمنا} {تلك الرسل فضلنا} وميزان العدل ينصب في الأبد {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} فالأول كالبزرة والثاني كالثمرة. اهـ.